بينما كنت أتجول في مكتبة المنزل , وقع نظري على ثلاثة مجلدات بعنوان وحي القلم , العنوان جذبني نحو أحد المجلدات وبدأت اتصفح الصفحة الأولى فالثانية فالثالثة ... وكلما تعمقتُ في الصفحات أكثر كلما زاد إنبهاري بأسلوب الكتاب..
أيُ رجل هذا..
إنه مصطفى صادق الرافعي , ولِد سنة 1880 مـ..
وبعد فترة من الزمن , إحدى الصديقات أعارتني كتاب لأقرأه وكان "السحاب الأحمر" .. في بداية أمري وللمرة الأولى أقرأ أدب بهذه القوة في المصطلحات والتشبيهات , بعض الفقرات لم أكن أفهمها تماماً , ولذلك كان هذا الكتاب بداية إعجابي الشديد بهذا الكاتب ..
شعرت بأنه يتحداني .. أجل يتحداني , وقبلتُ التحدي ..
قرأتُ عن سيرته الذاتية لأقف لحظة تأمل ..
دخل الرافعى المدرسة الابتدائية ونال شهادتها ثم أصيب بمرض يقال انه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابا في أذنيه وظل المرض يزيد عليه عاما بعد عام حتى وصل إلى الثلاثين من عمره وقد فقد سمعه بصورة نهائية.
.. اضطره المرض إلى ترك التعليم الرسمي، واستعاض عنه بمكتبة أبيه ، إذ عكف عليها حتى استوعبها وأحاط بما فيها.
أجل .. كان من أصحاب الارادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد, وعلم نفسه بنفسه حتى استطاع ان يكتسب ثقافة رفيعة وضعته في الصف الأول من أدباء عصره ومفكريه.
عزمتُ أن أقرأ كل مؤلفاته حيثُ:
حين تأملتُ السحاب الأحمر .. وجدته ممتلىء بالفكر والعمق .. توجهتُ إلى كتاب وحي القلم فتلذذتُ بمصطلحات لم أسمع بها يوماً بكل أجزائه رأيتُ الجمال .. أحببتُ أن أنظر إلى حديث القمر! أصبحتُ أنظر للقمر نظرة مختلفة نظرة تصورية عجيبة .. وحتى في رسائل الأحزان كان للحزن طعمٌ مختلف بين الكبرياء والبغض خلق بينهما الحب .. قلت لعل أوراق الورد أجد به ضالتي .. فوجدت الضالة هناك .. بين شعور الرقة والحنان .. بقي لي أن أنجول في تحت راية القرآن .. بعدما قرأتُ المساكين .. وأشفقتُ على نفسي المسكينة ..
هل علمتم ما صنع بي الرافعي ... إنه أُسطورة
هل تعلمون متى تزوج الرافعي؟
تزوج الرافعى في الرابعة والعشرين من أخت صديقه, وأنجب من زواجه عشرة أبناء..
أما حين تقرأ الشعر للرافعي ستعشق الشعر بلا شك , ومع ذلك كان له وجهة نظر من الشعر تقول :
"ان في الشعر العربى قيودا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه" وهذه القيود بالفعل هي الوزن والقافية.
في يوم الإثنين العاشر من مايو لعام 1937 مـ
استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.
توفيّ الرافعي الأديب المفكر صاحب التشبيهات الإبداعية الرقيقة عن عمر يناهز 57 عاماً..
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ~
صنعتُ هذا الفلم تقديراً لهذا الأديب , على أمل أن يعرفه كل الوطن العربيّ , فهذا ما أتمناه بصدق~ كان رحمه الله خير مؤثر بي ..
هبة علي ~~